
الأستاذ علي الشّابّي
رثاء المرحوم محمد الضحاك الشّابّي مع رسالة إلى المرحوم منصر الرويسي

رثاء المرحوم محمد الضحاك الشّابّي مع رسالة إلى المرحوم منصر الرويسي
بتاريخ الخامس من جانفي 2021 غادرنا إلى عالم أفضل الوزير الأسبق وعالم الاجتماع المرحوم محمد منصر الرويسي وعند مواراة جثمانه الطّاهر حضر صديقه وحبيبه الأستاذ علي الشّابّي وقام بتأبينه بما نصّه:
بسم الله الرحمان الرحيم
الله أكبر. الله أكبر. الله أكبر.
نودّع اليوم علَمًا من أعلام تونس وقفَ حياته عليها مناضلًا فذًّا ومسؤولًا قديرًا ومفكّرًا سياسيّا كبيرًا وأستاذًا جامعيًّا نابِهَ الذّكر ومُحاورًا عزّ نظيره.
نشأ الرّاحل المرحوم منصر الرويسي في بيئة دستوريّة اتّخذت لها من النّضال ضدّ المستعمر منهجًا ومن المنافحة عن استقلال تونس جوهرَ حياتها، وفي سبيل ذلك عرَفَتْ المنافيَ والسّجون فلم يزِدها ذلك إلّا صلابةَ عزمٍ وقوّة إيمانٍ وتألّقَ وطنيّةٍ واستماتةً في الدّفاع عن مبادئ الحزب الدّستوريِّ وأهدافه.
نشأ الرّاحل العظيم، وهو يشهد والدَهُ المناضل موسى الرويسي يُسْجَنُ ويُنْفَى من قِبَل المستعمر المرّةَ تِلْو المرّة كما كانت تتردّد على سمعِه غُربة خالِه المناضل يوسف الرويسي أحد المؤسّسين للحزب الدّستوريّ الجديد فتشكّلَ وجْدانُه بما أدركه منذ الصّغر لِيَحملَ تونس في قلبه حبّا ووفاءً وحين شبَّ عن الطّوق خاض غمار النّضال من خلال انتسابِه إلى الجمعيّات والمنظّمات الوطنيّة. وإنّك لواجدٌ في سيرتهِ الوطنيّة نضال الدّستوريّين ومجاهدة النّقابيّين وتجريبَ الشبّانِ المتطلّعين، وهو بما مَثَّله، صورةٌ حيّةٌ لشباب تونس النّاهض في ساعة العُسْرة وبُعَيْدَ الاستقلال: هي العزمُ الثّابت والوطنيّةُ المتوهّجة والفكرُ المتجدّد والتطلّع إلى ما هو أسْمَى وأسْنَى.
عُرِفَ في تعليمه الثّانويّ والجامعيّ بلَافِتِ ذكائِه وجميلِ سعْيِه ومثافنته للمشاكل والبحثِ لها عن حلول، ومِنْ ثَمَّ كان محرّكًا لكثير من الأحداث ظلّت تُتَناقلُ مع مُرور الأيّام مِن قِبَل رملائه حتّى لكأنّها علاماتٌ يُؤرّخُ بها لِما جَدَّ في مسيرتهم النّضاليّة أثناء الدّراسة. وخلال كلِّ ذلك عُرِفَ بزكيِّ لطفهِ وجميل تواضعِه وابتسامتِه التي لا تُفارق مُحيّاه.
الله أكبر. الله أكبر. الله أكبر.
لقد رحل عنّا الأستاذُ الجامعيُّ البارز والباحثُ النابهُ والوزير القدير. إنّ الطلبة الذين تتلمذوا عليه ارتبطوا به برباطٍ من المحبّةِ لا ينفصم لِمَا أفادوه من زكيِّ عِلمه ودقيق منهجِه ورائِع بيانِه، ولِما أحاطهم به من رعايةٍ ولُطفٍ لَافِتيْن. يلهج بذِكْرِه كلّ من عمِل معه أثناء تولّيه الوزارةَ، الوزارةَ تِلْوَ الوزارة، وزارة الشّؤون الاجتماعيّة، وزارة الثقافة ووزارةَ التكوين المهني والتشغيل ووزارة التربية وكذلك سفارة تونس في باريس ورئاسةَ الهيئةِ العليا لحقوق الإنسان، وهو ذِكْرٌ قِوامُه تواضعه اللّافتِ وفكرُه الإبداعيّ وإدارتُه النّاجحة وإنجازاتُه التي لا تَخْفَى، فلم يكن يَحتَكمُ قطّ في تسييره لشؤون الوزارة إلى أيّة إيديولوجيا وإنّما كان اعتمادُه في اختيار مسؤوليه من بين الجميع العدلَ والكفاءة بمنأى عن أيّ انتماء إيمانًا منه بأنّ الحرّيّة في الفكر هي السّبيلُ إلى إنماءِ القدراتِ الفرديّة والجماعيّة والأساس المكينُ لإرساخ الوطنيّةِ الجامعة والمدخلُ الحقيقيُّ إلى أيّ بناء ديمقراطيٍّ مُتجدّد.
لقدْ كان قبل تولّيه الوزارة وبعدَه مُستشارًا قديرًا عُرِفَ بثقتِه وبإبداعِه وصراحتِه وباهتدائه إلى اقتراح الحلول للمشاكل المستعصيّة، كما عُرِفَ بدعوتِه إلى الانفتاح على جميع التّيّارات لأنّ تونس تَسَعُ الجميع. ولم يكن يتردّد في إبداء آرائه حتّى ولو لم تكن منسجمةً مع السّائد وذلك دون مواربة ودون القيام بعمليّات حسابيّة نفعيّة. ويَعْرِفُ المطّلعون أنّ الرّاحل هو المقترِحُ لإنجازات كبرى تحقّقتْ في البلاد سواءٌ في مستوى الإدارة أو في مستوى السّياسةِ والحياة العامّة. لقد قضّى سِتِّين سنة من عمره في النّضال والإنجاز والثّبات على المبادئ ثباتًا لم يَعْدُهُ قطّ.
الله أكبر. الله أكبر. الله أكبر.
رُحْماكَ يا إلهي. بفَقدِك أيّها الرّاحل العزيز فقدَتْ تونس أحدَ أعزِّ أبنائِها البررة، وانقضى ركنٌ من أركانِ فكرها السّياسيِّ عُرِفَ بِبُعْدِ نظرِه ورائِع تحليلِه ولافتِ اعتدالِه وسعيه إلى جمع الكلمة. إنّ الفاجعةَ لأليمةٌ والمصابَ لجلَل، وإنّا لفراقك لمحزونزن.
فالغُربةُ الهوجاء بعْدَك منصِرٌ //// أمواجُ حُزنٍ ما لهُنَّ قرارُ
ضَرمُ الحشا والنّائباتُ تَغُلّني //// لرحيل بحرٍ لم تَطُله بحارُ
بحرٌ من الإنجاز غمْرٌ مَـــــدُّه //// أرأيتَ بحرًا في القبور يُزارُ
تمضي الحياة وحُزنُنا لا يَنقضي //// فالدّهرُ عادٍ والمنيّة دارُ
رحلتَ وقد تركْتَ في القلب لوعةً وفي الوجدان وَقْدًا مستعرًا لا ينطفئ إلّا بلُقْيَاكَ عند عزيز كريم، رحمانٍ رحيم. لقد انتهى حديث يوم الأربعاء إلى الأبد بعد أن كان واحةَ ظلٍّ نجد فيه الملاذَ والمتبتغَى توشّيه أسفارنا الفكريّةُ وتحليلاتنا السّياسيّة والاجتماعيّة واّلأدبيّة.
قد كنتُ أُوثِر أن تقول رثائي //// يا مُنصفَ الموتَى في الأحياء
عند اشتداد مرضك كنتُ القاكَ – وأنتَ معتصمٌ بإيمانك القويّ بربّ العزّة- مبتسمًا كعادتك، تاركًا أمرَكَ له بنفسِكَ الرّضيّةِ وقلبكَ المطمئِنّ.
(يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي)
رحمكَ الله رحمةً واسعةً وأسْكنكَ فراديسَ الجنان. إنّه سميع مجيب.
وهكذا بعد ستّ وثمانين سنة ينطلق صوت الشّاعر مُخترقا سُجوف العدم، وهو يتغنّى في جديد أدبه بحبّ الوطن، وعزّة الأحرار، وأمل العاشقين، وشوق العارفين، ويُسائل الوجود في حيرة فكريّة ودهشة وجدانيّة عن المبدإ والمصير، مُتشوّفا في الوقت ذاته إلى الخلاص الصّوفيّ الأبديّ الذي به تتحرّر الرّوح من أسر المادّة، وتعرُج إلى العالم العلويّ، وهناك تسبح في الطّهر والصّفاء والضّياء والسّلام، وتنعم ببديع الألحان.
لم يكن الشّابّي شاعرا محليّا ولا إقليميّا، وإنّما هو شاعر عالميّ متفرّد في فنّه يخاطب الإنسان أيّا كان في أيّ زمان وفي أيّ مكان، وكلّ من يقرأ شعره يجد نفسه فيه بل يتصوّر أنّه كتبه له دون غيره حيث يلاقي فيه رُؤاه وأفكاره ومشاعره وقضاياه وقيمهُ الإنسانيّة السّامية، وتلك هي سِمة شاعر الإنسانيّة.
يحتوي كتاب «ظلال النخيل» على 25 نصّا شعريّاو 22 نصّا نثريّا. وهذه النّصوص موزّعة بين الوطنية والحكمة والطبيعة والغزل والرثاء وأشواق الصّوفية والرّومانسيّين، وقد أبدع الشّاعر في تشكيله الفنّي من جمال اللغة وسحر الطبيعة. كما يحتوي الكتاب على 28 رسالة من الشّابّي وإليه وهي تُعتبر مصدرا أساسيّا لتعرّف الحياة الثقافية في تونس في أواخر العشرينات وأوائل الثلاثينيات من القرن العشرين وتكشف عن التحوّلات التي مرّ بها الشاعر في تلك الفترة إذ تتميّز عن غيرها من المصادر العامّة بشدّة بَوْحها ومستفيض إفصاحها، فهي لا تخفي سرّا ولا تشذب خبرا لأنّها قصر على المتراسلين. يضمّ الكتاب صورا من النصوص الأصلية بخطّ الشّاعر وملاحق عديدة.
هو من أبناء القرن العشرين الذين نشأوا فيما بين الحربين العالميتين الأولى والثّانية ، أيام كان العالم العربي يتعثّر بين حاضره الأليم وماضيه القريب المنقوص ، ودعاة الإصلاح وأنصار الجديد في تلك الفترة الانتقالية ،إنما يلقون جحودا وأذي لا تزيدهما سيطرة الغرب على الشّرق ، وشموخه بحضارته ، ووثوقه بمصيره ، إلا احتداما وسطوة لدى فريق واسع من الخاصّة والعامّة على السّواء .
بيد أن الشّاعر لم يتردّد كثيرا حتى عرف سربه فانضمّ إليه ، ثم صدح محلّقا إلى أن اختطفته يد المنون وهو في ريعان الشّباب . و كان والده (1) من خرّيجي الأزهر ومن مجازيه ، وبه درس أوّلا ، فأقام بمصر في أوائل هذا القرن سبع سنين ، ثم درس بتونس بجامع الزّيتونة سنتين ، حصل بعدهما على « التّطويع (2) » ، ثم سمّي قاضيا شرعيّا لسنة من ولادة بكره أبي القاسم فتصرّف في قضاء كثير من البلدان التونسيّة .
كان يقضي يومه بين المحكمة والمسجد والمنزل حيث يتبسط مع أهله، ولقد نشأ أبو القاسم في سنّي تكوينه الفكري والخلقي في كنف رعايته الصّالحة يقتبس من علمه وآدابه . كان رحمه الله صادق التّقى ، قويّ العقيدة لا يخشى في الحقّ لومة لائم ، له غيرة على شؤون المسلمين والإسلام ، تنفعل نفسه بما يجري آنذاك من أحداث بالشّرق العربي وطرابلس الغرب.
قال الشّاعر متحدّثا عن أبيه : « إنه أفهمني معاني الرّحمة والحنان ، وعلمني أن الحقّ خير ما في هذا العالم وأقدس ما في هذا الوجود (3) »
لم ينشأ أبو القاسم بمسقط رأسه، فقد خرج عنه في سنته الأولى ولم يعد يعرفه إلّا قليلا ، أثناء قدَمَتَيْن أقام فيهما نحوا من ثلاثة أشهر ، الأولى عند ختانه في الخامسة من عمره، والثّانية زائرا، وقد استغرقت جولة الأسرة عشرين سنة ضربت في بحرها بالبلاد التّونسية طولا وعرضا ، متنقّلة من قابس إلى سليانة فتالة ، ومن مجاز الباب إلى رأس الجبل فزغوان . وبين هذه المدن من الأميال ما يقدّر بالمئات أحيانا، وعلى نسبة ذلك اختلاف العادات واللّهجات والمشاهد الطبيعيّة . فلم تكن واحة قابس كبسائط مجاز الباب يغمرها الحصيد، ولا هذه كبساتين رأس الجبل ، أو كجبل زغوان یکسوه شجر الصّنوبر ، ولم يكن حرّ قابس كثلوج تالة ، ولا حياة الفلاّحين بمجاز الباب كحياة صيادي البحر بقابس أو رأس الجبل ، ولا طباع أهل الشّمال كطباع أهل الجنوب .
هذه مراحل أبي القاسم وشبابه عملت على تضخّم تجربته ، وتدفّق شاعريته، وازدهار ریشته ، بيد أن الشّاعر أفاد ما يفيده كل عابر سبيل متيقّظ واعٍ، إذا ما استقرّ بأرض كان ربيبـها لا ابنها الأصيل . فأطلقه هذا المصير من حدود البيئة الضّيقة وأكسبه « تونسيّة » إنسانية الآفاق.
قدم أبو القاسم إلى العاصمة سنة 1339 ه – 1920 م. للدّراسة بجامع الزّيتونة في الثّانية عشرة من عمره، وقد تكوّن سريعا، وقال الشّعر باكرا (4). كوّن لنفسه ثقافة واسعة عربية بحتة جمعت بين التراث العربيّ في أزهی عصوره وبين روائع الأدب الحديث بمصر والعراق وسوريا والمهجر ، ولم يكن يعرف لغة أجنبية، فتمكّن بفضل مطالعاته الواسعة من استيعاب ما تنشره المطابع العربية عن آداب الغرب وحضارته . وكانت أوّل نشراته في الصفحة الأدبية التي كانت ترتّبها « النهضة » كل اثنين – سنة 1342 – 1926 م. وفي سنة 1346 ه – 1927 م. ظهر شعره مجموعا في المجلد الأول من كتاب « الأدب التونسي في القرن الرّابع عشر »(5) وفي نفس السّنة ألقى بنادي قدماء الصّادقية محاضرة حول و الخيال الشّعري عند العرب و كانت مادّة الكتاب الذي نشر بنفس العنوان في السّنة التّالية .
وإنك لتجده وهو يواصل دراسته ويضع شعره في صميم حرکات الإصلاح التي كانت تعتلج بها النّفوس آنذاك من بعث لحركة الشّبان المسلمين ودعوة لتجديد الجهاز الثّقافي التقليدي ، ومناصرة لحركة تحرير المرأة (6) ودعوة للتجديد في الأدب تحتلّ المكان الأول من نفسه وقد أحدث كتابه « الخيال الشعري »، الضجّة الكبرى واستُهدف الشّاعر بسببه لحملة صحفيّة عنيفة ثبت لها ثبات الرّائد المؤمن بما يقول .
نشرت هذه الآثار في حياة والده ، فلم ينكر عليه مذهبه ، ووجد الشاعر في تسامح أبيه ما يعزّز جانبه ويثبت خطاه .
وفي هذه الأثناء (سنة 1929) نُكب بوفاة والده المحبوب ، ولقد رافقه عليلا من بلد «زغوان» إلى «توزر » مسقط رأسه ، وتجرع غصص مرضه ، وطفحت الكأس بموته وهو في الخمسين من عمره ، فاضطلع بأعباء عائلة كبيرة واختار طريقا وعرا ، فإنه – ضنا بحرية الأديب والشاعر – لم يلج باب الارتزاق من المناصب الحكومية ورضي بحياة بسيطة على رأس أسرته بتوزر حيث تزوّج ، ولعلّ هذا الذي عناه بعضهم حين قال : « كنا نرى في نفسه الزّكية مثال القناعة في أفضل ألوانها والطّموح على خير وجوهه (7) .
وفي السّنة نفسها أصيب بداء تضخّم القلب ، وهو في الثانية والعشرين من عمره ، بيد أنه رغم نهي الطبيب لم يقلع عن عمله الفكري ، وواصل إنتاجه نثرا وشعرا . وقد نشرت له سنة 1933 بمجلة «أبولو » المصرية قصائد عملت على التعريف به في الأوساط الأدبية بالشّرق العربي ، وإلى أبي القاسم أوكل صديقه الدكتور أحمد زكي أبو شادي تصدير ديوانه « الينبوع » .
لم يكن الشّاعر المريض يغادر توزر إلا في الصّيف ويقصد المصطافات الجبليّة كعين دراهم بالشّمال التونسي سنة 1932 ، والمشروحة ببلاد الجزائر سنة 1933 .
وشرع أثناء مصيف سنة 1934 في جمع دیوانه » أغاني الحياة » ، بنيّة طبعه بمصر (8) فانتسخه بنفسه بحامة الجريد ، مستعينا ببعض أدبائها ، لكن باغتته المنيّة وحالت دون ما نوى ، فقد انتابه المرض بغاية الشدّة وقصد تونس يوم 26 من أغسطس سنة 1934 وبها توفي (9) سحرا يوم 9 أكتوبر سنة 1934 ، ثم نقل جثمانه إلى بلده « توزر ، حيث قبره .
نحيف الجسم ، مديد القامة ، قویّ البديهة ، سريع الانفعال ، حادّ الذهن تكفكف رقّة طبعه من غرب عاطفته وحدّة ذهنه يراه أصدقاؤه ، بشوشا ، کریما ، ودیعا ، متأنّقا ، طروبا لمجالس الأدب يحبّ الفكاهة الأدبية (10) ويراه من لم يخالطه حييا محتشما ويعرف منه هؤلاء وأولئك صراحة حازمة قويّة يبديها لخاصّة خلطائه في غير ما تحرّج متى اجتمع بهم ويجاهر بها العموم في شعره ونثره . وكان محبّا لبلاده، صادق الوطنية (11) يؤمن بأن لقادة الفكر رسالة إنسانية سليمة حاول جهده أن يحققها في أثناء حياته القصيرة قولا وعملا.
تونس في 12 من افريل سنة 1954 .
م.ا. ش
(1) هو المرحوم الشيخ محمد بن بلقاسم الشّابّي سليل أسرة . الشّابّيّة ، التي تمحّضت للعلم بعد أن أنجبت في القرنين العاشر والحادي عشر هـجري، من حملة القلم والسّيف، من اكتسبت بمساعيهم مجدا سجله التاريخ التونسيّ .
(2) هي اجازة نهاية الدّراسة بالكلية الزّيتونية في ذلك العصر
(3) كتاب الخيال الشعري عند ا العرب ، صفحة الإهداء – وقد أهداه لوالده .
(4) قصيدة (يا حبّ) التي أثبتناها بالديوان ، نظمها سنة 1342 ه – 1923م. وقد وصف صديقه الاستاذ زين العابدين السنوسي طريقته في وضع قصائده ، فقال : (اذا رجعنا إلى أدبائنا المعاصرين عرفنا أن المرحوم أبا القاسم الشّابّی لم بکن پستنزل الشّعر ولكنه كان يفيض عليه مهاجمة تمنعه الرّاحة والنّوم، فيصوغ القصیدة بیتا بیتا و بتهجّي كل واحدة بمفردها في ليله وظلامه الدّامس ولا تفارقه تلك الحال حتى يستفرغ ما جاش بضميره شعرا محکما، ثم ينام مطمئنا كأنما نزع عن ظهره عبئا , حتى اذا استيقظ في الغد متأخرا ووجدها على طرف لسانه و نسخها من ذاكرته مطمئنّا، وربما طاش عنه الشّطر فلا يرضى أن يعوّضه أبدا، وتبقى القصيدة بتراء في جيبه يقرؤها علينا بتراء لا يجسر على ترقيعها أبدا . إلا أن يتذكرها ولو بعد اشهر فيتمّها و ينسخها في كنّاشة ،
(5) تأليف الاستاذ زین العابدين السّنوسي ،انظر الجزء الأول من صفحة 203 حتى صفحة 254 .
(6) ناصر الشاعر صديقه المغفور له الطاهر الحداد واضع کتاب : امرأتنا في الشّريعة والمجتمع الذي أثار ردودا حارة وسخطا عنيفا .
(7) مجلة و العالم الأدبي / شعبان سنة 1353 – نوفمبر سنة 1934) .
(8) عن تطوع الأستاذ أبو شادى للاشراف على طبعه .
(9) بالمستشفى الايطالي القديم بحي مونفلوری
(10) العالم الأدبي ديسمبر 1934 بقلم المغفور له البشير الفورتي عميد الصحفيين التونسيين .
(11) أبّنه في ذكراه الأربعينية المرحوم الطاهر صفر أحد قادة الحركة الوطنية الممتازين إذ ذلك وأحد أعضاء الديوان السياسي للحزب الحر الدستوري التونسي بما خلاصته : « تكلم الأستاذ صفر نيابة من قدماء الصّادقية على شاعرنا الفقيد فأکبر روحه الأدبية ونبوغه الشعری وأشار إلى الناحية الوطنية والاحساس الفيّاض التي كان الشّاعر يفيض به عن آمال بلاده وألامها وقد ذكر الخطيب أنّه اجتمع مع فقيدنا الشابّي في بلدة طبرقة حينما كان الشاعر في حال شديدة من الألم، وقد دار اذ ذالك الحديث بين الشاعر والزعيم في الوطنية مما يؤمله للشعب التونسي من التقدم ورثى الشاعر حال الشعب الآن ، وقد عبّر عن ذلك في قصيدة شعريّة وطنية نشرتها جريدة : العمل ، بعدد (23) : العالم الأدبي ، في ديسمبر سنة 1934 .
شقيق الشاعر أبو القاسم الشّابّي وأول وزير للمعارف للجمهورية التونسية بعد الاستقلال
صدر حديثا عن مجمّع الأطرش لنشر وتوزيع الكتاب المختص، الكتاب الجديد الموسوم
الـدولـــة والجبــاية والمجـــتمع اللزّم والمجال الحضري بإيالة تونس -1705-1856
د,عثمان البرهومي
تصدير الأستاذ الدكتور عبد الواحد المكني، أستاذ التاريخ والانتروبولوجيا ورئيس جامعة صفاقس
.
يتناول هذا العمل الذي ورد في 500 صفحة، الأساليب والطرق المعتمدة لتعبئة الموارد الماليّة لخزينة الدولة. وتتطلع هذه الدراسة من خلال تناول موضوع الدولة والجباية والمجتمع، إلى البحث في التاريخ الاقتصادي والاجتماعي بالبلاد التونسية، ويقتضي ذلك التسلح بمنهجية تقوم على تعدد الأدوار، حيث أن التطور الذي حصل في علاقة الحكم المركزي بدواخل البلاد أفضى إلى إرساء سلطة محلية تدين بوجودها إلى عدة عوامل منها أهمية ظاهرة التواصل والاندماج بين مكونات المجتمع ضمن استراتيجية السلطة المركزية الرامية إلى الاستفادة من الفاعلين المحليين لتحقيق الاستقرار الداخلي والوصول إلى الثروات العينيّة واستخلاص الجباية بطريقة سلسة ودون الالتجاء دائما إلى العنف، يقابلها استراتجية الفاعلين المحليين والذين هدفهم الاستفادة من الارتباط بالمركز لتحقيق الجاه والنفوذ الذي يمكنهم من الارتقاء الاجتماعي. وقد عمّدنا في أغلب الأحيان الى المقارنة بالنظم الجبائيّة والادارية بالولايات العثمانية الأخرى أو بالدول الأوروبية خلال نفس الفترة
إضافة الى أن هذا العمل الذي غاص في أرشيفات « البايليك » (الدولة) الإدارية والجبائيّة، يمثل محاولة لفهم علاقة الدولة بالتشكيلات الاجتماعيّة من خلال خدمّة المخزّن و جمع الضّرائب والأتاوَى. ضمن معضلة الجباية والنفقات الكبيرة والمتزايدة، حيث امتلأت خزائن البايليك من لزمات المرّاسي والغابات بالأرياف ولكن بشكل خاص من لزمات المدن والأنشطة الحضرية.
ويمثل هذا البحث رسالة موثقة و مضّمونة لكل من يخلط بين الدولة والحاكميّة في تونس. فالدولة مؤسسّة دائمة ثابتّة متطوّرة تتميز بالعّلوية واحتكار العّنف ومركزيّة التأطير الضّريبي و جذور ذلك ضّاربة في التاريخ… لمن يحسّن قرّاءته
د. عثمان البرهومي
أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بكلّية الآداب والعلوم الإنسانية بسوسة
صدر أخيرا للأستاذ الدكتور عادل بن يوسف كتاب
المسار الثوري والانتقال الديمقراطي بتونس من خلال الوثائق (2008-2011)، تصدير: أ. عبد الواحد المكني (أستاذ التاريخ المعاصر والأنتربولوجيا الثقافية ورئيس جامعة صفاقس)، منشورات مكتبة علاء الدين + مخبر ليريك + كلية الآداب والعلوم الإنسانية بصفاقس، ديسمبر 2019، 438 صفحة
–
اصداراتي ومنشوراتي خلال السنة الجمعية -2020-2019-
مداخلة علمية: » رصد وقراءة للصحف والنشرات الطلابية المغاربية الصادرة بفرنسا خلال الفترة الاستعمارية ومطلع الاستقلال (1927-1963) « ، أشغال الملتقى الدولي الصحافة بتونس وبالبلدان المتوسطية في قرن (1860-1960)، تنظيم معهد الصحافة وعلوم الأخبار بتونس والمعهد العلى لتاريخ الحركة الوطنية، الحمامات، ماي 2011، تنسيق الأستاذ جمال الزرن، منشورات معهد الصحافة وعلوم الأخبار بتونس والمعهد العلى لتاريخ الحركة الوطنية، منوبة جانفي 2020، مطبعة الديوان الوطني للأسرة والعمران البشري، ص ص 39-59
تقديم كتاب: » أحمد نظيف: المجموعة الأمنية الجهاز الخاص للحركة الإسلامية في تونس والانقلاب الفاشل لسنة 1987″، المعهد العالي لتاريخ تونس المعاصر مجلة روافد العدد (22-23-24)، 2017-2018-2019، منوبة 2020، ص ص 203-213. * باللغة الفرنسية
Communication : « La ville de Sousse à travers les voyageurs français (1853-1935) », in Espaces méditerranéens (XIXe-XXe siècles) : administration, représentations et mobilité, Hommage au Professeur, Abdassalam Ben Hmida, Préface de Jacques FRÉMEAUX Coordination de : Riadh Bne Khelifa et Béchir Yazidi, Publications du CPU, La Manouba septembre 2019, 498 pages, pp. 229-251
لمعرفة المزيد عن محتوى الكتاب، شاهد الفيديو المصاحب
أستاذ تعليم عال في التاريخ المعاصر والزمن الراهن بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بسوسة.
عيدكم مبروك
–
بمناسبة حلول عيد الفطر المبارك تتقدّم الهيئة المديرة للجمعيّة إلى أعضاء اللجنة الشرفيّة وكافة المنخرطين والمتابعين المحبّين بأخلص التهاني وأطيب الأماني، تقبّل الله منكم الصيام وصالح الأعمال، عيد سعيد وعمر مديد أعاده الله عليكم بالخير واليمن والبركات…ص
كلّ عام وأنتم بألف خير
–
الثقافة الصوفية وبناء الدولة التونسية: من خلال نموذج الحركة الشابية
جريدة الصحافة – 14 أفريل 2018*
–
انتظمت يوم السبت الفارط بمدينة الشابة من ولاية المهدية أشغال الندوة الفكرية الأولى تحت شعار «قراءات في تاريخ الشابة والحركة الشابية»، وذلك بمشاركة عدد من الباحثين المختصين في التاريخ الحديث والمعاصر والحركة الصوفية بتونس خلال العهد الحفصي وتأثيراتها الثقافية والاجتماعية والسياسية وامتدادها تاريخيا وجغرافيا إلى زمننا الراهن.
البُعدان الوجودي والفلسفي للتصوف:
أكد الدكتور علي الشابي في المداخلة الافتتاحية خلال الجلسة العلمية الأولى التي ترأسها الدكتور عبد الواحد المكني على أهمية الدور الذي اضطلع به أحمد بن مخلوف الشابي المهدوي (حوالي 1431-1492م) مؤسّس الطريقة الشابية التي ستتحول لاحقا وعلى يد ابنه عرفة الشابي سنة 1557م إلى أول دولة طرقية بإفريقية التونسية اتخذت من القيروان عاصمة لها وعمّرت نحو السبعة عقود، قاومت خلالها الاحتلال الخارجي، سواء منه الإسباني أو العثماني التركي. لكنّ العثمانيون قضوا عليها بقيادة سنان باشا الذي قتل آخر أمرائها، محمّد بن عرفة الشابي وشرّد أتباعها فتوجهوا نحو الجزائر وليبيا، فيما استقر معظمهم بالبلاد التونسية في توزر حيث ابتنوا قرية الشابية تيمّنا بمنبعهم الأول، شابة الساحل قرب المهدية. كما تناول المحاضر مسألة التصوف من الزاويتين الوجودية والفلسفية باعتبار أن التصوّف رياضة عرفانية وذوقية تخلي العقل وفي الآن نفسه تمتلأ بالكون، إذ أن الله المطلق لا يستوعبه إلا قلب المؤمن فقط. وفي حين توقف الأستاذ منصف الشابي خلال مداخلته عند روح المقاومة في الحركة الشابية وتجلياتها في مسيرة طويلة من النضال الوطني ضدّ المستعمر الأجنبي فإن الدكتور عادل بن يوسف قد اختار رصد ما تبقى من آثار لتلك الحركة الصوفية على سلوك سكان بلدة شابة الساحل وتسيّسهم المفرط وذلك بالاعتماد على وثيقتين نادرتين معاصرتين حول زيارتين رسميتين للمقيمين العامين لفرنسا بتونس إلى مدينة الشابة في سنتيْ 1934 و1954م، هما «مارسال بيروطون» و «بوايي دي لاتور». أهمية الوثائق التاريخية في استكشاف التاريخ الحضاري للمدن التونسية: هذا وقد شهدت الجلسة العلمية الثانية التي ترأسها الدكتور علي الشابي تقديم ثلاث محاضرات: الأولى بعنوان الشابة قبل الاستعمار الفرنسي قدمها الدكتور عبد الواحد المكني وأبرز من خلال اعتماده على علم الخرائط وتحديدا على الخرائط التي أنجزها تلامذة مدرسة باردو الحربية سنة 1856م والتقارير المرافقة لها والتي تضمّنت معطيات دقيقة عن موقع مدينة الشابة وعن سكانها وأنشطتها وعمرانها… ولا سيما عدد الجوامع والزوايا والأولياء الصالحين والأوقاف وأهمّ العائلات التي تقطن بها. وحاول الكاتب العام لجمعية الشابي للتنمية الثقافية والاجتماعية الأستاذ عبد الله الشابي خلال مداخلته رسم الامتداد الجغرافي العربي للحركة الشابية وتقديم صورة عن العُمق الشعبي والثقافي لهذه الحركة الصوفية، مستعينا في الغرض بخارطة نادرة كان أنجزها بالتعاون مع أعضاء جمعية الشابي، وتبرز الرقعة الجغرافية التي تتحرك فيها الثقافة الصوفية لهذه الحركة والتي تمتد من بنغازي إلى الحدود الجزائرية المغربية، خاصة وأنّ زاوية سيدي محمد المسعود الشابي (1563-1620م) بقرية ششار من ولاية خنشلة الجزائرية وهي من تأسيس شتات الحركة الشابية، تحولت إلى وجهة ثقافية صوفية سنوية يتوافد عليها أتباع هذه الحركة من تونس وليبيا والجزائر. أمّا المحاضرة الثالثة التي قدمها الدكتور عثمان برهومي حول موضوع «من الشابة إلى القيروان: المشروع السياسي والثقافي للحركة الشابية خلال القرن السادس عشر» فقد بيّن من خلالها أهمية الأرضية الثقافية في تشكيل عقلية تنظيمية كانت قادرة على مجابهة انتكاسة السلطة المركزية بعيدا عن أطماع القوى الخارجية الغازية. في حفظ التراث الروحي والفكري للمجتمع التونسي: وبعد أن تولت الشاعرتان غاية مبارك ومليكة سلامة إنشاد قصيدتين بالمناسبة تتغنى بالشابة والمرأة الشابية، تولى الدكتور محمد الزاهي الذي نشر في جوان الفارط كتابا جديدا حول تاريخ مدينة شابة عنوانه: «الشابة حضارة و تاريخ» القيام بحوصلة لأشغال الندوة ورفع توصياتها المتمثلة في التعجيل بنشر المحاضرات والوثائق الجديدة التي تمّ العثور عليها في كتاب، وتوثيق الصلات الثقافية بين شابة الساحل وشابية الجريد من خلال إبرام اتفاقية توأمة بين بلديتيْ المدينتين، علاوة على الانفتاح على شابية الجزائر. وقد شهدت هذه التظاهرة الفكرية التعريف بصورة نادرة للشاعر الخالد أبي القاسم الشابي في المدرسة السليمانية تعود إلى سنوات دراسته بجامع الزيتونة في سنة 1926، وذلك رفقة زميله في الدراسة محمّد الصادق بوهجّة وهو اليوم من أعلام مدينة الشابة. علما أن هذه الندوة قد انعقدت ببادرة من جمعية برج خديجة للثقافة والمواطنة بالشابة وجمعية الشابي للتنمية الثقافية والاجتماعية، وذلك بمقر بلدية الشابة التي أكد رئيسها السيد حسين نصري على أهمية مراهنة الجماعات المحلية على النهوض بالثقافة المحلية لدورها في تنشيط المدن ونشر الوعي الإبداعي في علاقة بالسلوك الحضاري الراقي والرشيد. وتكتسي مثل هذه التظاهرات الثقافية أهميتها من تسليط المشاركين فيها الأضواء الكاشفة ليس على تاريخ المدن التونسية وتشابكها مع بعض فحسب، وإنما أيضا على التراث الروحي والعقلي للمجتمع التونسي وامتداده من الماضي إلى حياتنا الراهنة بالنظر إلى تواصله في الأجيال المتعاقبة وتعهدها له بالرعاية حتى يبقى دائما حيا وذا تأثير ثقافي متواصل ولو في أجزاء من المجتمع التونسي. منصور
Continue reading « قراءات في تاريخ الشّابّة والحركة الشّابّيّة »