قراءات في تاريخ الشّابّة والحركة الشّابّيّة

cult2_f0d97f

الثقافة الصوفية وبناء الدولة التونسية: من خلال نموذج الحركة الشابية

جريدة الصحافة – 14 أفريل 2018*

انتظمت يوم السبت الفارط بمدينة الشابة من ولاية المهدية أشغال الندوة الفكرية الأولى تحت شعار «قراءات في تاريخ الشابة والحركة الشابية»، وذلك بمشاركة عدد من الباحثين المختصين في التاريخ الحديث والمعاصر والحركة الصوفية بتونس خلال العهد الحفصي وتأثيراتها الثقافية والاجتماعية والسياسية وامتدادها تاريخيا وجغرافيا إلى زمننا الراهن.

البُعدان الوجودي والفلسفي للتصوف:

 أكد الدكتور علي الشابي في المداخلة الافتتاحية خلال الجلسة العلمية الأولى التي ترأسها الدكتور عبد الواحد المكني على أهمية الدور الذي اضطلع به أحمد بن مخلوف الشابي المهدوي (حوالي 1431-1492م) مؤسّس الطريقة الشابية التي ستتحول لاحقا وعلى يد ابنه عرفة الشابي سنة 1557م إلى أول دولة طرقية بإفريقية التونسية اتخذت من القيروان عاصمة لها وعمّرت نحو السبعة عقود، قاومت خلالها الاحتلال الخارجي، سواء منه الإسباني أو العثماني التركي. لكنّ العثمانيون قضوا عليها بقيادة سنان باشا الذي قتل آخر أمرائها، محمّد بن عرفة الشابي وشرّد أتباعها فتوجهوا نحو الجزائر وليبيا، فيما استقر معظمهم بالبلاد التونسية في توزر حيث ابتنوا قرية الشابية تيمّنا بمنبعهم الأول، شابة الساحل قرب المهدية. كما تناول المحاضر مسألة التصوف من الزاويتين الوجودية والفلسفية باعتبار أن التصوّف رياضة عرفانية وذوقية تخلي العقل وفي الآن نفسه تمتلأ بالكون، إذ أن الله المطلق لا يستوعبه إلا قلب المؤمن فقط. وفي حين توقف الأستاذ منصف الشابي خلال مداخلته عند روح المقاومة في الحركة الشابية وتجلياتها في مسيرة طويلة من النضال الوطني ضدّ المستعمر الأجنبي فإن الدكتور عادل بن يوسف قد اختار رصد ما تبقى من آثار لتلك الحركة الصوفية على سلوك سكان بلدة شابة الساحل وتسيّسهم المفرط وذلك بالاعتماد على وثيقتين نادرتين معاصرتين حول زيارتين رسميتين للمقيمين العامين لفرنسا بتونس إلى مدينة الشابة في سنتيْ 1934 و1954م، هما «مارسال بيروطون» و «بوايي دي لاتور». أهمية الوثائق التاريخية في استكشاف التاريخ الحضاري للمدن التونسية: هذا وقد شهدت الجلسة العلمية الثانية التي ترأسها الدكتور علي الشابي تقديم ثلاث محاضرات: الأولى بعنوان الشابة قبل الاستعمار الفرنسي قدمها الدكتور عبد الواحد المكني وأبرز من خلال اعتماده على علم الخرائط وتحديدا على الخرائط التي أنجزها تلامذة مدرسة باردو الحربية سنة 1856م والتقارير المرافقة لها والتي تضمّنت معطيات دقيقة عن موقع مدينة الشابة وعن سكانها وأنشطتها وعمرانها… ولا سيما عدد الجوامع والزوايا والأولياء الصالحين والأوقاف وأهمّ العائلات التي تقطن بها. وحاول الكاتب العام لجمعية الشابي للتنمية الثقافية والاجتماعية الأستاذ عبد الله الشابي خلال مداخلته رسم الامتداد الجغرافي العربي للحركة الشابية وتقديم صورة عن العُمق الشعبي والثقافي لهذه الحركة الصوفية، مستعينا في الغرض بخارطة نادرة كان أنجزها بالتعاون مع أعضاء جمعية الشابي، وتبرز الرقعة الجغرافية التي تتحرك فيها الثقافة الصوفية لهذه الحركة والتي تمتد من بنغازي إلى الحدود الجزائرية المغربية، خاصة وأنّ زاوية سيدي محمد المسعود الشابي (1563-1620م) بقرية ششار من ولاية خنشلة الجزائرية وهي من تأسيس شتات الحركة الشابية، تحولت إلى وجهة ثقافية صوفية سنوية يتوافد عليها أتباع هذه الحركة من تونس وليبيا والجزائر. أمّا المحاضرة الثالثة التي قدمها الدكتور عثمان برهومي حول موضوع «من الشابة إلى القيروان: المشروع السياسي والثقافي للحركة الشابية خلال القرن السادس عشر» فقد بيّن من خلالها أهمية الأرضية الثقافية في تشكيل عقلية تنظيمية كانت قادرة على مجابهة انتكاسة السلطة المركزية بعيدا عن أطماع القوى الخارجية الغازية. في حفظ التراث الروحي والفكري للمجتمع التونسي: وبعد أن تولت الشاعرتان غاية مبارك ومليكة سلامة إنشاد قصيدتين بالمناسبة تتغنى بالشابة والمرأة الشابية، تولى الدكتور محمد الزاهي الذي نشر في جوان الفارط كتابا جديدا حول تاريخ مدينة شابة عنوانه: «الشابة حضارة و تاريخ» القيام بحوصلة لأشغال الندوة ورفع توصياتها المتمثلة في التعجيل بنشر المحاضرات والوثائق الجديدة التي تمّ العثور عليها في كتاب، وتوثيق الصلات الثقافية بين شابة الساحل وشابية الجريد من خلال إبرام اتفاقية توأمة بين بلديتيْ المدينتين، علاوة على الانفتاح على شابية الجزائر. وقد شهدت هذه التظاهرة الفكرية التعريف بصورة نادرة للشاعر الخالد أبي القاسم الشابي في المدرسة السليمانية تعود إلى سنوات دراسته بجامع الزيتونة في سنة 1926، وذلك رفقة زميله في الدراسة محمّد الصادق بوهجّة وهو اليوم من أعلام مدينة الشابة. علما أن هذه الندوة قد انعقدت ببادرة من جمعية برج خديجة للثقافة والمواطنة بالشابة وجمعية الشابي للتنمية الثقافية والاجتماعية، وذلك بمقر بلدية الشابة التي أكد رئيسها السيد حسين نصري على أهمية مراهنة الجماعات المحلية على النهوض بالثقافة المحلية لدورها في تنشيط المدن ونشر الوعي الإبداعي في علاقة بالسلوك الحضاري الراقي والرشيد. وتكتسي مثل هذه التظاهرات الثقافية أهميتها من تسليط المشاركين فيها الأضواء الكاشفة ليس على تاريخ المدن التونسية وتشابكها مع بعض فحسب، وإنما أيضا على التراث الروحي والعقلي للمجتمع التونسي وامتداده من الماضي إلى حياتنا الراهنة بالنظر إلى تواصله في الأجيال المتعاقبة وتعهدها له بالرعاية حتى يبقى دائما حيا وذا تأثير ثقافي متواصل ولو في أجزاء من المجتمع التونسي. منصور

الأرشيف

  • 1212
  • 122